استثمار المغرب

على خلفية التضخم.. أداءات ورهانات متضاربة لقطاع العقارات

  • مارس 2, 2023
  • 1 min read
على خلفية التضخم.. أداءات ورهانات متضاربة لقطاع العقارات

 

(بقلم: كوثر شعات)

التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، جنبا إلى جنب مع نماذج العمل الهجين، كلها إشكاليات تواجه أسواق العقارات السكنية والتجارية اليوم وأكثر من أي وقت مضى، في ظل حقبة غير مسبوقة من عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث، وتوقعات للخبراء بحدوث تغيير في دورة القطاع.

 

وأدت هذه التحديات، من بين أمور أخرى، إلى اضطرابات على مستوى سلاسل توريد مواد البناء وتأخر المشاريع وارتفاع تكاليف البناء. وصاحبها في ذلك ارتفاع الأسعار غير المتوقع، ولا سيما أسعار الطاقة، وتنامي الضغوط التضخمية التضخم، مما أعاق القدرة المالية وحال دون استكمال مشاريع عقارية.

 

وفي هذه السوق، يجد المستثمرون الذين يعانون من ارتفاع أسعار الفائدة أنفسهم مجبرين على خفض المحافظ العقارية بما يتماشى مع حقوق الملكية ورأسمال المقترض، وذلك في ظل السياق الحالي الذي يتسم بارتفاع معدل الفائدة والأسعار، مما يفضي إلى انخفاض عدد الصفقات والمعاملات.

وفي خضم هذه الأسئلة اللامتناهية حول توقعات سنة 2023، تعتبر هذه التحديات عاملا رئيسيا في تطور أسعار السكن وعدد المبيعات.

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير العقاري ومؤلف دليل “Répons’IMMO”، أمين المرنيسي، على أن سوق العقارات الوطنية تأثرت بشكل خاص جراء هشاشة الظرفية الاقتصادية وتقلص القدرة الشرائية للأسر.

وأوضح أنه “في ظل هذا المناخ القاتم المشوب بالشكوك، تحيل مؤشرات العقارات، بما فيها مؤشر أسعار الأصول العقارية ومؤشرات بنك المغرب والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، على انخفاض بنسبة 15,4 في المائة في عدد المعاملات برسم سنة 2022.

واعتبر أن “هذا المؤشر يغطي العقارات المستعملة فقط، في حين تواجه فيه السوق المحلية الجديدة وضعا أكثر صعوبة”.

وإلى جانب التقلبات الاقتصادية، توجد مخاطر لا تحصى من شأنها أن تسرع تقادم الأصول العقارية في أعقاب التحول نحو التنمية المستدامة. ورغم ذلك، يظل قطاع العقارات مساهما رئيسيا في مختلف التغيرات المناخية في العالم.

ويتمثل التحول الإيجابي في تحول طلب المستهلك نحو السكن الأكثر كفاءة ونجاعة، ولا سيما بعد فترة الحجر الصحي التي سلطت الضوء على عيوب المباني المستهلكة للطاقة بكثافة. والجدير بالذكر أن التجربة المغربية تتمتع بخبرة مستفيضة في مجال الانتقال الطاقي.

وبالنظر إلى السياق الحالي، تظل هذه الرؤية مجرد رؤية مستقبلية، حيث تميل الحوافز الحكومية في الوقت الراهن صوب تشجيع الطلب من خلال تزويد المالكين المحتملين بتوجيهات واضحة وإمكانية الحصول على رأسمال.

وأورد الخبير أن “القطاع لا يزال معلقا بتنزيل المراسيم المتعلقة بالسكن من فئتي 300 ألف درهم و600 ألف درهم، بصفتهما منتجين تسعى الحكومة وراء الترويج لهما من خلال منح دعم مباشر للمشترين”، مبرزا أن “المراد من هذا الإجراء أن تحل الفئة الأولى محل السكن الاجتماعي (سابقا بسعر 250 ألف درهم) والثاني محل الطبقة الوسطى”.

وعلى الرغم من هذه المعيقات المتسببة في تباطؤ نمو الاقتصاد، تجدر الإشارة إلى أنه ما لم تؤثر الأزمة المالية بشكل واضح على العقارات، فإن القطاع يميل دائما نحو الاستقرار. وتختلف الأزمة الحالية عن أزمة سنة 2008 لكونها مقترنة بظاهرة العمل عن بعد، والذي من شأنه أن يلحق الضرر بالعقارات التجارية.

– العمل عن بعد: تقديم التكنولوجيا على حساب العقارات التجارية

شكل مقر الشركة لسنوات عديدة أحد العناصر الرئيسية المكونة لها، إذ يمثل المبنى والمكاتب المهيبة والواسعة سمات الشركات الكبرى والمعروفة. والمرجح أن هذه الصورة بدأت في التلاشي، حيث تميل اليوم الشركات، ولا سيما المقاولات الصغرى والمتوسطة والشركات الناشئة، نحو تجاوز النمط القديم المتمثل في ضرورة التنقل اليومي إلى مقر الشركة.

وتتطلع الشركات في الوقت الراهن إلى تقليل المساحة التي تستأجرها لكل عامل. وقد تفضي إعادة تنظيم الوسط المهني بشكل يسمح بالتركيز على العمل الجماعي بدل المساحة إلى بيئة عمل أفضل. لكن ماذا عن تطور سوق العقارات؟

ويؤكد السيد المرنيسي، الذي يشاطر هذا الرأي، أن “العقارات المهنية تستقبل الأنشطة البشرية، ولا تديرها”.

وبالنسبة له، فإن العمل عن بعد والعمل الجماعي أديا إلى خلط الأوراق في ما يتعلق بدينامية سوق العقارات التجارية، وأن هذه المستجدات تمثل فرصا استثمارية جديدة وأنها تستدعي “التكيف مع هذه التغييرات”.

واستنادا إلى ما سبق، يتضح أن ديناميات العقارات المكتبية سائرة نحو التغيير، إذ “ظل الطلب على مدى السنوات الثلاث الماضية مدفوعا بالأساس بتغيير الشركات لمقراتها”.

 

وأفاد كريم التازي، المدير العام المفوض لقسم الاستشارات والمعاملات بمجموعة “A. Lazrak” وعضو المعهد الملكي للمساحين القانونيين أن الأسباب تتمثل في المنطق المستند إلى دواعي خفض التكلفة وبالتالي التوجه نحو اعتماد المساحات أو المنشآت داخل المناطق التي تتمتع بوضع خاص (نير شور، والقطب المالي للدار البيضاء، وغيرهما)

 

وفي ظل السياق الاقتصادي والجيوسياسي الذي يتسم بعدم اليقين، أشار السيد التازي أن الشركات اليوم تتجنب “الاستثمار في المرافق التي تتطلب نفقات رأسمالية ضخمة وتستدعي أربع أو خمس سنوات من العمل لاسترداد نفقاته”، مشيرا إلى أن مفهومي “المكتب كفندق” و” المكاتب المرنة” أضحيا أكثر رواجا وتداولا في ما يتعلق بفضاءات العمل المشترك. وقد تم إحداث العديد من المكاتب المزودة بالخدمات ومساحات للعمل المشترك، على غرار “وي وورك” (Wework) في المغرب خلال السنوات الأخيرة، وتحقق نجاح متناميا في صفوف رواد الأعمال الشباب وبشكل متزايد لدى الشركات متعددة الجنسيات.

 

وعلى هذا الأساس، سيتمثل التحدي الذي سيواجه مالكي العقارات في “إنجاح عملية التغيير الداخلي للعقارات” من أجل تقديم المزيد من الخدمات ذات القيمة المضافة وتحقيق المزيد من المرونة.

 

 

 

– السعي وراء المرونة لم يعد مجرد ترف

 

في ظل اتساع نطاق المخاطر وتعمقها، أضحى تشكيل مستقبل العقارات رهينا بالمرونة. وقد شهدت السنوات الأخيرة تقلبات وشكوك أثرت بشكل كبير على كل من العقارات السكنية والتجارية. ولم يعد مفهوم المرونة مجرد اختيار، بل أصبح ضرورة ملحة من أجل تدبير المحفظة.

وفي بداية سنة 2023، تلوح في الأفق رهانات عديدة أمام قطاع العقارات، حيث تصارع الشركات موجة نماذج العمل الهجين أو عن بعد وغزو المكاتب الحديثة، في يواجه المستثمرون التباطؤ الاقتصادي العالمي، وكذا التحولات الثقافية الجذرية التي تؤثر على الطريقة التي ندير بها أساليب العمل والمعيشة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *